Thursday, July 1, 2010

حصان يأكل برسيم .. تحت شجرة

.
.
لأني أعرف أنك أحيانا تصبح طفلا عنيدا شديد الغباء .. لا يري سوي رغبته و لا يسمع سوي صوته .. يسئ الفهم و يصر علي مواقفه المتعنتة .. لقد آلمتني حقا بظلمك و عنادك .. عبثا حاولت أن أكشف أمري لعينيك الساذجتين .. لكن هيهات .. و عندما شائت الأصابع الخفية أن تحتاجني فكرت لحظة .. هل تطفئ النار النار .. و هل يشفي التشفي الألم أم يروي الكراهية .. نعم فكرت لحظة لكني .. تصرفت بتلقائية .. لأني أحب سذاجة قلبك الغرير .. و لا أري سوي ابتسامتك الساذجة البسيطة .. لذا مددت يدي .. و لم أنتظر أن تمد يدك .. و لم أتوقع أن تزيح الغمام عن أنانيتك العنيدة و تشبثك الغبي .. لكنك فعلتها .. فاجأتني و فعلتها : " أنا آسف .. مش علي النهاردة بس .. بس عشان كل اللي فات .. أنا غلطت في حقك و مش عاوزك تزعل مني " .. ما الذي سينقذنا في هذه الأيام الجهنمية سوي هذه النسمات الرطبة المذهلة
!!
.. آه .. لطفت يومي الحار مثل قطرة ندي صباحية مسحورة .. أدهشتني بطفوليتك التي لا تكف عن ابهاري .. أتعلم أني أقابل عشرات الأطفال كل أسبوع !! .. و هل تعلم شيئا : أحب أن أراهم .. لأنهم تافهون .. صغيرون .. لا مبالون .. يشعرونك بأن ثمة شئ علي الأقل لا تكلف فيه و لا افتعال .. أحب مداعبة هذه الأطراف الصغيرة العابثة و الأنامل الصغيرة المنقبضة بلا اكتراث للعالم و مذابحه .. أحب هذه الوجوه المبتسمة دون فهم و الباكية بلا خبر عن مأساة .. أحب هذه الهمهمات الباحثة عن كلماتها .. و الكلمات الباحثة عن معناها .. و الصيحات القصيرة التي لم تعي بعد جدوي الصياح .. أحب صراخهم و لعبهم بالقاذورات و ركلهم للغرباء .. أيا كان ما يفعلون هم يجسدون لك البساطة .. الصراحة .. و النقاء .. ينعشون ذاكرتك المرهقة التي نسيت رائحة النظافة
..
.. لا .. لا أعشق النظافة .. لكني أهوي التنظيف .. أحيانا أدخل المطبخ فقط لأمسك أحد الأطباق و أغرق سطحه برغاوي سائل التنظيف .. ثم أفتح المياه بحذر وأراقب .. عمود المياه الرفيع و هو يتهاوي بانسيابية جذابة ليأخذ معه عمود الرغاوي و ما يحمله من طبقات الدهن و الشحوم .. ثم بزوغ السطح البراق للطبق لامعا نظيفا
..
..
آه .. أتشبث بأني قادر علي تطهير ذاتي .. و أتذكر أن الآخرين غالبا لديهم ذلك الجزء النقي البسيط في ركن ما بأعماقهم
..
لماذا أحب الأطفال ؟
!!
.. بالأمس كنت ألعب مع ايمان ذات الأعوام الست .. أكتب لها الكلمات متفرقة : " البحر .. ذهبنا .. في .. الصيف .. الي .. " .. و هي تحاول أن تتخيل القصة لترتب الترتيب الصحيح .. ثم تقول لي : " بنت " .. فأرسم بنتا .." و لد " .. فأرسم ولدا .. " وردة .. مركب .. عربية " .. أرسم .. ثم أعكس اللعبة .. أرسم قطة فتكتب هي قطة .. أرسم سمكة .. كرسي .. كتاب .. وهي تكتب .. و أطور الفكرة .. رسمت حصانا يميل بعنقه علي الأرض .. فكتبت حمار .. قلت " الحمار ودانه قصيرة و شعره طويل ؟؟ " . مسحتها و كتبت : حصان .. أرسم بعض الخطوط الطولية تحت فمه فتكتب برسيم .. أرسم شجرة تميل بفروعها فوقه .. فتكتب شجرة .. اقول : " لا .. كلها علي بعضها .. الحصان بيعمل ايه .." .. تكتب : حصان ياكل برسيم .. " و ايه تاني " .. تكمل هي : تحت شجرة .. ثم تكتب في سطر واحد : حصان يأكل برسيم تحت شجرة ..
..
أحيانا يصيبني اسم ايمان بالاندهاش .. و أحيانا أنطقه بلا مبالاة .. يبهرني ذكائها الحاد .. لكني أحب ما تفعله بي .. عندما أرسم لها .. و أري سعادة بلهاء في عينيها الصغيرتين .. تشعرني أني قادر بعد علي اختراع الألعاب الجديدة
.. تعرفني أني قادر علي اختلاق سعادات مجنونة صغيرة
.. أني في مكان ما
.. لا زلت أملك في جعبتي الفقيرة بعض الأحلام الجميلة
.. أحب ايمان .. كما أحب هذه الكائنات الرقيقة البسيطة
.. الأطفال
!!

No comments: