Wednesday, April 21, 2010

الدنيا .. لما تنور علي طول

ما المميز في المقاعد الأمامية ؟؟
.. لم أتصور أن موظف الشباك عني بالمكان المميز مقعدا في الصف الأول .. نفس ما حاولت زميلته تأكيده و هي تقودني الي مقعدي بابتسامتها الباردة .. اخبرتها أني لم اتصور انه سيمنحني هذا المكان المميز !! و أن التقيد بالمقاعد مهم هنا .. وقالت أني أستطيع تغييره مع بداية الحفل .. لكني لم أحاول .. قررت متابعة التجربة لأول مرة .. و فعلت .. و لم أعرف : أكان أداء الفرقة ركيكا حقا أم أني فقدت الاستمتاع من موقع لا أفضله .. لا أعرف تحديدا .. دائما أجلس في المقاعد الخلفية .. حيث مساحة الرؤية أوسع و الملامح غير مكتملة .. الجلوس في المقاعد الخلفية يضعك في الواقع مع الجمهور .. و يداعب خيالك الذي يشتاق للجوانب الخفية في وجوه الأشخاص علي المسرح .. يترك امامك الأسئلة مفتوحة و الاجابات غامضة و الحياة مزجا هلاميا من الواقع و الخيال .. ألهذا أفضله ؟؟
توقفت عن البحث عن اجابات صريحة من زمن .. أقبل الآن وجود الأحداث .. ثم أعيش معها و فيها دون ارهاقات تحليلية سقيمة .. لكني أذكر زمن الايمان البريء .. قبل أن تساورني شكوكا هادمة .. و أجهد في محاولات مستميتة لحل ألغاز تحاصر عقلي .. ثم أستسلم أخيرا .. لاومن ايمانا جديدا .. ايمان بالديناميكا .. الحياة كوكتيل صاخب .. لا يتوقف عن الخفقان .. تضاف اليه اضافات او تنسحب منه أخري و تتغير نكهنه باستمرار .. قد تسأل ألف سؤال و سؤال .. لكن لا تتصور أن التفكير سيعطيك اجابة مفيدة .. اطرح شكوكك جانبا و عش .. انضم للكوكتيل و امتزج به و لا تتوقف أو تحلم برسائل تشفي يقينك .. الفكرة تمهيد تقديمي .. أما صفحات الكتاب المفيدة هي الفعل ذاته .. الكتاب تجربة .. و الاجابات نسبية .. تتلون و تختلف و تنزلق غير واضحة دائما .. فاطرح شكوكك المتفلسفة و ادخل الكوكتيل .. .. لقد صليت اليوم و ذهبت الي عملي و قابلت أصدقائي وقلت لمن سأمنح صوتي في الانتخابات .. فعلت هذا حقا .. لكن .. ماذا عن صلاة لا يخشع بها القلب .. و صداقة تشكل الاصدقاء علي أهواء أصدقائهم .. و عمل متقن في فوضي كاسحة .. و صوت انتخابي لن يحرك ريشة من موضعها .. معني صوتك .. حبك .. عملك .. و معني حياتك كلها .. هل ستتفلسف .. ستتأمل .. ستنهار .. اضف نكهتك للمزيج .. و دع الاسئلة ترافقك مثل السرابات التي توهم المسافر بانه وصل غايته .. ثم تخدعه ليواصل رحلته من جديد .. دعها تخلق لك في كل يوم رحلة .. و نكهة جديدة .. و معني آخر محتمل
القصة أن السيدة قد فقدت بصرها في طفولتها .. لكنها درست و تخرجت و عملت مدرسة .. تحملت ظروف السفر و الاغتراب و الاعتماد علي الغير .. ثم تزوجت و أنشأت أسرة جميلة و بيتا مستقرا من أفراد أربعة .. و لا زالت تمارس عملها كمدرسة و ترعي شئون بيتها بعد سنوات طويلة من العطاء .. خاطبت المذيع مفتخرة : " و لما يقطع النور و كلهم يتلخبطوا .. انا بس اللي باقوم اساعدهم أو اكمل حاجة كنت باعملها او أقيد شمع .. الدنيا بالنسبة لي منورة علي طول " .. لماذا لم تقض عمرها تلعن الدنيا أو تتسائل عن عجزها ؟؟ .. و أسئلتها .. هل أجابتها في رحلتها فاذا بالدنيا كلها مضائة واضحة امامها ؟؟ !! .. أم أن أسئلتها كانت بسيطة من البداية ؟؟ !! .. العمل و البيت و الحب .. لقد عرفت نهايات مرضية علي أي حال .. لكن متي عرفت هذه النهايات ؟؟ .. هل هو رائع أن تعرف نهاياتك مبكرا ؟؟ .. .. يسعدني أني - بخلافها - لا زلت أعمي .. أتخبط في الطرقات .. أتحرك .. لكني لم أر كل شئ بعد ... أليس جميلا أن تبقي في الدنيا أماكن مظلمة تنتظر استطلاعك .. أليس مبهرا أن جانبا مجهولا من وجوه الممثلين بعيد !! .. أليس لذيذا أنك لا تزال قادرا علي اغلاق عيناك و فتحهما .. دخلت الكوكتيل حقا .. لكني أذوب بين النكهات .. و الروائح تنزلق متتابعة .. و السراب
.. أليس مهما أن يبقي خارج دوامة الحياة الطاحنة سؤال مندهش
.. أليس لذيذا أن تري هذا السراب
؟؟
!!