Saturday, January 23, 2010

حتي تموت في يوم آخر

.
.
.
لأن الكلية لم تكن هدفا في حد ذاته .. بل وسيلة لتحقيق ذات .. اتصور أن الأمر سيختلف لو كنا في بلد متقدم .. حيث تمضي بك التربية - يتبعها التعليم - لأن تستكشف موضع قدمك الملائم في رقعة الحياة .. حيث تفصح قدراتك عن مداها و تتكشف فيه موهبتك لعيونك المتفتحة .. ربما .. لكن في بلادنا الجميلة حيث العشوائية قانون الحياة لا تتم المسألة هكذا .. فلماذا أتوقف عن الانجاز لو لم ألتحق بالكلية التي رغبتها .. لماذا أظل هناك حيث قضيت الليالي حالما بمكاني في الكلية المأمولة .. و اذ فهمت أن بامكاني الابداع و الانجاز في المجال الذي دخلته .. ادركت من زاوية أخري أن تعلقي الأول كان ميلا لذيذا لمادة بعينها أيام الدراسة الأولي .. كان ميلا جارفا كبلني في مكاني زمنا في الواقع .. لكني كشفت أنه لا ينفي مقدرتي علي الانجاز في المجال الجديد .. حتي لو كانت قدراتي بأكملها ستظهر في المجال الأول ..هذا أمر لا يمكن التحقق منه في بلادنا التي تعرف جيدا كيف تجرفك الي كمينها المحكم من العشوائية و الفوضي ..
..
و لم أتوقف لأكون الضحية التقليدية .. بل واصلت الطريق كيلا أموت حيا .. كيلا أقع في الفخ المتكرر .. فخ التعلق بالأشياء .. الاندماج معها لتصبح مقصودة لذاتها لا مجرد وسيلة تعبر بك الي هدف حقيقي .. الأمر يحدث كل يوم .. و كل وقت .. و بكل المستويات .. هل حدث أن التحمت بعمل أو مشروع ما حتي اصبحت جزءا منه .. سجنت فيه مهاراتك و طموحاتك .. حتي جعلت منه غاية تتوه بها عن معناها لتحقيق وجودك .. فاذا ما سقط سقطت معه وضعت متصورا أنك فقدت حياتك .. و الحقيقة أنك موجود لا زلت .. لقد فقدت الوسيلة .. لكنك لم تفقد الطاقة التي تحركك للعمل .. هل ضاعت بلادنا يوما عندما توحدت مع بعض الافكار حتي غدت اهدافا مقصودة لذاتها لا مجرد وسائل نحو حياة مزدهرة أفضل .. قد تتحقق بغيرها من الوسائل التي قد تحل محلها لو اقتضت الظروف .. هل توجد كيفية أقوي لقتل اخلاق الدين غير دفنها تحت مئات التفاصيل التافهة لمظاهره وشعائره بحيث يصبح المظهر نفسه قدسا مقصودا لا تعبيرا عن قيمة و معني .. من أنت غير الاموال في حافظتك .. غير الملابس المهندمة و العطور الانيقة و تصفيفة الشعر المنمقة .. غير السيارة و الأسهم في البورصة او الرصيد في البنك .. غير دخان السجائر و فناجين القهوة و اوراق المذكرات .. من أنت غير الأشياء ؟؟ .. أيحتمل كونك طاقة .. الطاقة انتاج لا يذهب هباء بل يتجدد و يأخذ أشكالا مختلفة .. الطاقة موجودة .. ربما كان دورك العمل لاستخراجها .. لاحالتها اتاجا حقيقيا .. لتصنع الأنماط لا أن تتركها تشكلك .. لتنسج من انشطتك نمطا يحقق طموحا او يميز ذاتا أو يزيح عاطفة .. مجرد وسيلة لا شبكة عنكبوتية تستعبدك و تشوه ملامحك الاصيلة و تهوي بها اذا هوت الي القاع .. تذكر هذا اذا فاتتك دراسة رغبتها .. او اذا عملت بعيدا عن مجال دراستك .. او اذا هوت أسهمك في البورصة أو انهار مشروعك الوليد أو استغنوا عن خدماتك في موقع العمل .. تذكر هذا اذا فاتك فنجان القهوة الصباحي او نسيت علبة سجئرك أو مات قطك الأليف .. تذكر أنك باق بعد .. وفي هذا ما يكفي .. من يدري .. ربما وجدت مبررا للحياة بقية اليوم

تبتدي البدايات





ما معني تدوين الأحداث و عرض الاراء و بوح القلوب ؟؟ .. عن ماذا نبحث و الام سننتهي .. هل سنواجه في النهاية شيئا غير
التجاعيد القبيحة في مرايانا الصدئة .. أي معني حقا و أي جدوي ؟؟ .. شئ واحد أعرفه : لطالما لعبت هذا الدور باتقان شديد .. دور الملثم الخائف الذي يراقب من خلف نافذته الموصدة مستمتعا بالتأمل الصامت و الابتسام .. لا يفتح النافذة ليهتف بدوره .. أو يسمح لنسمات الهواء بتجديد الطقس الراكد في حجرته



اكتشفت أن حياتي عمليا تبدلت علي مدي السنوات الأخيرة تبدلا عظيما .. لم أكتف بفتح النافذة .. لكني هبطت بنفسي الي الشارع و تشاركت الشجار والصياح و الصخب مع الجميع .. فعلتها حتي كدت أتوه من نفسي ذاتها .. و أصبحت أتلمس طريقي الي روحي الأصيلة التي - علي مساوئها - تجتذبني و تذكرني .. وعرفت أني أجدها هنا .. في التدوين .. و في مذكراتي التي أكتبها .. و في القصص التي أحاول اكمالها .. أعود ذلك الآخر القديم يرشف القهوة بهدوء بارد .. و لذة خفية تراوده و هو يراقب مآسي العالم من بعيد .. لا أعرف كيف أواجه تلك الصورة القبيحة مجددا بعد هذه الرحلة الصاخبة .. أو أشتاق العودة اليها كلما خلوت الي نفسي أو ابتعدت عن الجموع .. حتي اذا ما فتحت المدونة لم يطالعني الا مسخا لطالما حاولت الافلات من قبضته .. أيهما أنا حقا .. و أيهما أريد أن أكون .. أيمكنك الكفاح ردحا هاربا من عالم باهت .. لتكشف أنه ليس باهتا كما تصورت لكن عيناك مصابتان بعمي الألوان !! .. من أنا حقا .. لن أسأل كثيرا .. بل سأفعلها بتلقائية .. ببساطة .. و بمزيد من الوضوح .. لقد مللت المكياجات السخيفة .. و سئمت وجه الكتابة الباهت .. أخفي الآن أرشيف سنوات ثلاث مزيفة و أبدأ مجددا .. لن أفتعل مزيدا من القصص .. أو أرقب أوضاع العالم مبتسما .. لكني سأتكلم .. سأتكلم عن جاري الذي تعرفت اليه من أيام .. عن القط البشع الذي يعرقل نزولي كل صباح .. عن رحلات المترو اليومية و تفاصيل الشوارع و الخناقات العابرة علي الكافيتريا و مشاكل العمل الأبدية .. ساتكلم عن تطلعات هذا الصباح و انجازات اليوم السابق و الأمنية الأخيرة قبل نوم الليلة .. سأتكلم عن ما أريد الكلام عنه مهما كان تافها أو بسيطا .. أو بدا مهما أو عظيما .. و من قلب التفصيلات المتناثرة أعتقد أني سأجد نفسي .. نفسي التي أعرفها و أعيشها حقا .. لا الشبح الراقص الذي يقفز خلف كتفي كلما نظرت في المرآة .. من القصص البسيطة الحقيقية سأعرف من أنا ..

الوجه الحقيقي .. الوجه المزيف .. هل أنا الاثنان ؟؟